/ الفَائِدَةُ : ( 1 ) /

05/07/2025



بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين. /خلوّ هذه الأَبحاث الْمَعْرِفِيَّة من شائبة الغُلُوّ/ /لا شائبة ولا شبهة غُلُوّ في مقامات ُأَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ / /ضابطة الْغُلُوّ/ لخطورة أَبحاث هذه السلسلة الْمَعْرِفِيَّة نقول : اِعْلَمْ أَنَّه لا تُوجد في جملة هذه الأَبحاث وما سيأتي (إِنْ شاء اللَّـه تعالىٰ) أَيّ شائبة غُلُوّ ـ وخروج عن الجادَّة والمنزلة الوسطىٰ الَّتي ليلها كنهارها جادَّة ومنزلة أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ، وهي الديانة الَّتي من تقدَّمها مرق ، ومن تخلَّف عنها محق ، ومن لزمها لحق ، والَّتي لا تخرج إِلى عوج ، ولا تزيل عن منهج الحقّ ، ولا تجد لها بديلاً ، ولن تجد لها تحويلاً ، نعم ، هي دقيقة الوزن ، حادَّة اللِّسان ، صعبة التَّرَقِّي حتَّىٰ على الحاذق اللَّبيب ـ لأَنَّنا نعضُّ بضرس قاطعٍ على ضابطةٍ وقاعدةٍ معرفيَّةٍ وعقليَّةٍ بديهيَّةٍ ، مستفادة من بيانات الوحي ، ضربها وقنَّنها علماء المعقول في باب الْغُلُوّ والتَّقصير ، مضروبة للتمييز بين الغُلُوّ والتَّقصير في صفات الخالق ـ المُسَمَّىٰ ـ صاحب الذات الْإِلَهِيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة (جلَّ ذكره) وأَسمائه وأَفعاله وكمالاته وشؤونه ، وصفات المخلوق وأَسمائه وأَفعاله وكمالاته وشؤونه ، وهي : « أَنَّ ذات الخالق ـ المُسَمَّىٰ ـ (تقدَّس ذكره) وصفاته وأَسمائه وأَفعاله وكمالاته وشؤونه تحكمها وواقعة في إِطار ضابطة : (ما منه الوجود) ، بخلاف ذات المخلوق وصفاته وأَسمائه وأَفعاله وكمالاته وشؤونه واحواله فتحكمها وواقعة في إِطار ضابطة : (ما به الوجود) » . فالصفات ـ كصفة : (عدم التناهي) ـ والأَسماء(1) والأَفعال والكمالات والشؤون إِذا نُسبت وأُسندت إلى الخالق ـ المُسَمَّىٰ ـ (جلَّ وتقدَّس) كصفات وأَسماء وأَفعال وكمالات وشؤون إِلٰهيَّة فالمراد منها : (ما منه الوجود) . أَمَّا إِذا نُسبت وأُسندت إِلى المخلوق كصفات وأَسماء وأَفعال وكمالات وشؤون مخلوقة فالمراد منها : (ما به الوجود) ، وحينئذٍ لا إِشكال ولا شبهة ولا شائبة غُلُوّ في المقام ؛ بعدما أُفيضت وتجلَّت وظهرت وانعكست في المخلوق من الذات الْإِلَهِيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ، فأين شائبة الغُلُوّ بعدما كان الجميع من ساحة القدس الْإِلَهِيَّة . بل هذه الضابطة أُستحدثت في القرنين الأَخيرين وتوسَّعت بقاعدة وضابطة بديهيَّة أَيضاً ، أَكثر دِقَّة وغوراً وعمقاً ، وهي : « أَنَّ ما منه الوجود على ضربين : أَحدهما : (ما منه الوجود أَصالة وبالذات) . الآخر : (ما منه الوجود حكاية ومن الغير) » . والأَوَّل مختصٌّ ومنحصرٌ بـ : (الذات الْإِلَهِيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة) أَزلاً وأَبداً . وإِلى هذا تُشير بيانات الوحي ، منها : 1ـ بيان قوله جلَّ قوله : [فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ](1) . 2ـ بيان قوله عزَّ قوله : [اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا](2) . ودلالتهما قد اِتَّضَحَتْ . والثَّاني وجود ظلِّي وحاكٍ ، يأتي في الممكنات ، مفاض عليها من ساحة القدس الْإِلَهِيَّة . نظيره : المرآة المنطبعة فيها صورة الشَّاخص الخارجي . وإِلى هذا تُشير بيانات الوحي الأُخرىٰ ، منها : 1ـ بيان قوله عزَّ من قائل ؛ الحاكي لخبر النَّبيّ عيسىٰ عليه السلام في اِحْتِجَاجِهِ على بني إِسرائيل : [أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ](3). 2ـ بيان قوله تقدَّس ذكره : [حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ](4). 3ـ بيان قوله تعالىٰ ذكره : [فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ](5). 4ـ بيان قوله جلَّ ذكره : [قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ](6). ودلالة الجميع واضحة . 5ـ بيان أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « ... يا أَيُّها النَّاس ، لعلَّكُم لا تسمعون قائلاً يقول مثل قولي بعدي إِلَّا مفتر ... أَنا موتم البنين والبنات ، أَنا قابض الأَرواح ... »(7). 6ـ بيانه ( صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) أَيضاً : « ... أَنَا أُحيي وأُميت بإِذن ربِّي ، أَنا أُنبئكم بما تأكلون ، وما تدَّخرون في بيوتكم بإِذن ربِّي ، وأَنا عَالِمٌ بضمائر قلوبكم ، والأَئمَّة من أَولادي عليهم السلام يعملون ويفعلون هذا إِذا أَحَبُّوا وأَرادوا ... »(8). ودلالته ـ كدلالة سابقه ـ واضحة ، ومضمونه نفس مضمون البيانات الوحيانيَّة المُتقدِّمة ، لاسيما البيان الأَوَّل ؛ فإِنَّ أَمِير الْمُؤْمِنِينَ وسائر أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ لَـمَّا كانوا أَشرف وأَكمل المخلوقات ، وأَعلاها وجوداً ومقاماً ورتبةً ، وكانوا وسائط الفيض الإِلٰهي لجملة العوالم وسائر المخلوقات غير المتناهية فما أُعطي لسائر جملة المخلوقات من شرفٍ وعزَّةٍ ورفعةٍ ؛ وكمالٍ وفضلٍ ومقامٍ ورتبةٍ فبالأَولىٰ يُعطىٰ لهم ( صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ) وزيادة ، وإِلَّا ففاقد الشَّيء لا يُعطيه . وهذا برهانٌ عقليٌّ بديهيٌّ . ومن ثَمَّ ما تمتَّع به النَّبيّ عيسىٰ عليه السلام وسائر المخلوقات المُكرَّمة ؛ منهم : إِسرافيل وعزرائيل عليهما السلام تمتَّع به أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وزيادة ؛ فيحيون ويميتون بفعلٍ أَلطف ، وأَعظم هيمنة ، وأَشدُّ سلطنة وقدرة وقوَّة على وفق القاعدة ؛ ومن دون أَيّ شائبة غُلُوّ في المقام . بل البراهين والبيانات الوحيانيَّة قائمة على ذلك . فلاحظ ، منها : 1ـ بيان الإِمام زين العابدين صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، عن الثمالي ، قال : « قلتُ له : جُعِلْتُ فداك ، الأَئمَّة يعلمون ما يُضمر؟ فقال : علمتُ واللَّـه ما علمت الأَنبياء والرُّسل ، ثُمَّ قال لي : أزيدكَ ؟ قلتُ : نعم . قال : ونزاد ما لم تزد الأَنبياء »(9) . 2ـ بيان الإِمام الصادق صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « إِنَّ عيسىٰ بن مريم عليه السلام أُعطي حرفين كان يعمل بهما ، وأُعطي موسىٰ عليه السلام أَربعة أَحرف ، وأُعطي إِبراهيم عليه السلام ثمانية أَحرف ، وأُعطي نوح خمسة عشر حرفاً ، وأُعطي آدم خمسة وعشرين حرفاً ، وإِنَّ اللَّـه تبارك وتعالىٰ جمع ذلك كلّه لمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ (10) ، وإِنَّ اسم اللَّـه الأَعظم ثلاثة وسبعون حرفاً ، أَعطىٰ(11) مُحَمَّداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ اثنين وسبعين حرفاً ، وحجب عنه حرفاً واحداً »(12). ودلالته ـ كدلالة سابقه ـ واضحة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) كالأَسماء الذاتيَّة الواردة في سورة الإِخلاص : (الأَحد ، والصمد ، ولم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفواً أَحَد) . (1) صٓ: 72. (2) الزمر: 42. (3) آل عمران: 49. (4) الأَنعام: 61. (5) محمَّد: 27. (6) السجدة: 11. (7) بحار الأَنوار، 53: 45/ح1. (8) المصدر نفسه، 26: 1ـ7/ ح1. (9) بحار الأَنوار، 26: 55/ح114. بصائر الدرجات: 66. (10) في البصائر: (وإِنَّه جمع اللَّـه ذلك لمحمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وأَهل بيته). (11) في البصائر: (أَعطىٰ اللَّـه). (12) بحار الأَنوار، 17: 134/ح11. أُصول الكافي، 1: 230. بصائر الدرجات: 57